التعليم الإلكتروني في زمن كورونا.. تحديات وحلول عاجلة





منى يونس 

نشرت هذه المادة على   موقع صحتك    بتاريخ 21 مارس 2020

تعد مسألة التباعد الاجتماعي والعزل، وما ينبني عليها من إجراءات إغلاق المؤسسات وحظر التجوال في العديد من الدول، من أكثر مظاهر مرحلة مواجهة فيروس كورونا الجديد، وهذا الأمر فرض واقعا مختلفا على مجتمعاتنا، علينا أن نسعى لتحسين فرصنا في الاستفادة منه، حتى لا يعود علينا بعد انجلاء غمة كورونا بآثار صحية ونفسية واجتماعية وخيمة.
ومن أبرز الملفات التي تحتاج لمعالجة في هذه المرحلة، ما يتعلق بأبنائنا الذين أغلقت مدارسهم لأجل غير مسمى.

فقد أشارت منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة والتربية (يونسكو) في بيانها الصادر بتاريخ 18 مارس، إلى أن جائحة "كورونا" التي أصابت أكثر من 245 ألفاً، ولم تكد تنجو دولة من دول العالم من الإصابة بها، قد أثرت تأثيراً بالغاً وأحدثت ارتباكاً كبيراً على العملية التعليمية حول العالم، إذ أدى تفشي المرض إلى إغلاق المؤسسات التعليمية في 102 دولة، مما أدى إلى إبقاء ما يقرب من نصف الطلبة على مستوى العالم خارج المقاعد الدراسية في كافة المراحل الدراسية، من مرحلة الطفولة المبكرة إلى المرحلة الجامعية، ويشمل هذا العدد ما يقرب من 850 مليون طالب. 
ورغم تكرار التحول لمنصات التعليم الإلكتروني في بعض دول العالم خلال الأزمات الصحية والطبيعية الماضية، إلا أنه بالنسبة لعالمنا العربي، تعتبر هذه المرة الأولى التي تضطر فيها العديد من الجهات التعليمية للتحول المفاجئ لنمط تعليمي جديد لم يتم التمهيد له بأي صورة من الصور.

ورغم أهمية هذه التحول المفاجئ في وقت تنتشر فيه جائحة عالمية في معظم بلدان العالم، وللسيطرة عليها اعتمدت جل دول العالم سياسة المسافات الاجتماعية، مما اضطر الجميع للانتقال لتقنيات العمل والتعلم عن بعد، إلا أن هذا التحول المفاجئ لنظام تعليمي لم يتم تدريب الطلبة وأولياء الأمور عليه يمكن أن يؤدي لتحديات ومشكلات كثيرة، قد تصيب الطلبة وأولياء أمورهم ومعلميهم بالإحباط والقلق والتوتر والخوف من الفشل.. مما يؤدي للمزيد من الضغوط النفسية على صحتنا النفسية المنهكة أصلاً. 

ما هي أكبر وأهم تحديات التحول من النمط التقليدي إلى الإلكتروني؟ وكيف يمكن مجابهة هذه التحديات في ظل الأزمة الراهنة؟

1- التحدي الأول: نقص الوعي والتصور المتكامل

أولاً: لا بد من أن نعترف أننا لسنا مستعدين للتعامل الفعال مع هذا التحول في نمط التعليم، وبالتالي تكمن أولى التحديات التي نواجهها في غياب الوعي الكامل أو الجزئي عن ماهية التعليم الالكتروني، وفي أحيان أخرى هناك فهم مغلوط لهذا النمط من التعليم، وبالتالي لا بد أن نبدأ كأولياء أمور ومعلمين في تثقيف أنفسنا بأنفسنا عن ماهية التعليم الإلكتروني وعناصر النجاح التي سوف نحتاجها في المرحلة القادمة، وسأعرض في نهاية المقالة عدداً من الروابط الرئيسة التي تساعدك على فهم هذا النمط الجديد من التعليم.

وفي البداية نحتاج أن نراجع تصوراتنا عن التعليم، فقد ساد في القرنين الماضيين أن التعليم هو مسؤولية المدرسة والمدرس، وهو ما يتم بداخل الصفوف التعليمية، ولكن في حقيقة الأمر فإن الانخراط في العملية التعليمية التقليدية والذهاب بصورة منتظمة للمدرسة في حد ذاته لا يعتبر تعليماً.

التعليم يُعرف على أنه "العملية التي تُحدث تغييراً عميقاً ودائماً في تفكير الإنسان وفي قدرته على القيام بالأشياء"، وهذا يُلغي المفهوم السّطحيّ للتعليم والمتمثّل في الحصول على مؤهل معيّن وفقط فهذا لا يعني بالضّرورة الوصول إلى التّعلّم الفعّال في حال لم تؤثّر تلك المؤهلات في نفس الإنسان، وبالتالي فالتعليم يعني يتم دمج ما تعلمناه في الذّاكرة، واستخدام المعلومات والمهارات في المواقف الحياتية المختلفة، وهذا يعني باختصار أن التعليم ليس قائماً على وجود مدرسة أو صفوف دراسية تقليدية، ولكنه عملية ممتدة ويمكن – وخصوصا في ظل الأزمة – أن يكون للبيت والأهل دور فعال في تعليم أبنائهم من خلال:
1) إتاحة الفرصة للتطبيق العملي والحياتي لما تعلموه في مدارسهم.
2) تعلم مهارات ومعارف جديدة.



- الواجب العملي لمجابهة هذا التحدي

تعتبر هذه الأزمة فرصة سانحة للبدء في النظر للعملية التعليمية بمنظور أكثر اتساعاً، وفرصة للتدخل الإيجابي في "تعليم الأبناء" من خلال التعرف على المعلومات والمهارات التي اكتسبوها في السابق، وإتاحة فرص لتطبيقها في المواقف اليومية المختلفة، ويمكن أن نبدأ من الآن (وخصوصاً أننا لا ندرى إلى متى سوف يستمر الأبناء خارج صفوف مدارسهم) محاولة التعرف على المراحل المعرفية التي وصلوا إليها في العلوم والرياضيات واللغة مثلاً، والتفكير في سبل مناسبة لتطبيق تلك المعارف والمهارات.

- أمثلة عملية
لو كان ابنك في الصف الأول وبدأ في قراءة عدد من الكلمات بالإنكليزية، تعتبرهذه فرصة للقيام ببعض الألعاب البسيطة التي يمكنه من خلالها استخدام مفرداته التي تعلمها أو القيام بقراءة بعض القصص المبسطة التي تتناسب ومرحلته السنية، أو مشاهدة بعض القصص المرئية على شاشة الكمبيوتر.

لو كانت ابنتك في المرحلة الإعدادية، وقد درست في الرياضيات كيفية حساب قطر الدائرة، يمكن اللعب سوياً بألعاب تدور حول حساب قطر الكواكب، وتنسيبها لمعرفة أيها أكبر، وترتيبها وتنسيبها لقطر الأرض مثلاً وهكذا.




2- التحدي الثاني: عدم وضوح الرؤية الخاصة بالتحول للتعليم الإلكتروني من قبل الجهات التعليمية

اختلفت ردود الفعل الخاصة بمطالبات التحول للتعليم الإلكتروني من دولة إلى أخرى، ومن جهة تعليمية لأخرى، وهناك عدة عوامل رئيسية في الخطط الموضوعة من قبل تلك الجهات لتحويل التعليم للفضاء الإلكتروني، يأتي على رأسها:
- وجود بنية تحتية (بنية تقنية مناسبة ومتاحة بالفعل - وجود معلمين أكفاء لديهم خبرة ودراية بالتعليم الإلكتروني والتعامل مع الطلبة عن بعد في عملية تعليمية متكاملة - وجود خطط مسبقة لمثل هذه الأزمات - التوجهات الخاصة بالمعلمين وقناعاتهم الخاصة بجدوى التعليم الإلكتروني)، والصورة العامة للوضع في أغلب دولنا العربية: نقص في البنية التحتية والتقنية – عدم وجود خطط مسبقة – مستوى متدن من التدريب المهني للمعلمين بما في ذلك التعامل مع الإنترنت بغرض تحقيق أهداف تعليمية – توجهات الأهل السلبية نحو التعليم الإلكتروني.

الواجب العملي لمجابهة هذا التحدي
استغلال الأسبوعين الأولين من إغلاق المدارس والجهات التعليمية للتعرف على خطة المدرسة التي يتبع لها أبناؤك (إن وجدت)، لتحويل العملية التعليمية من النمط التقليدي إلى النمط الإلكتروني، وذلك من خلال التواصل مع المدرسة والهيئة الإدارية.
ذلك لوجود خطط وتصورات مختلفة تطبقها المدارس للتعامل مع هذه المرحلة، من بينها:
- الاستفادة من المنصات التعليمية التجارية أو المجانية لتنزيل المناهج التعليمية بصورتها الكاملة على شكل وحدات ودروس ومقسمة إلى أسابيع وأيام، مع إتاحة الفرصة للتواصل مع المعلم وباقي الطلبة عبر تطبيقات للتواصل مثل الشات أو تطبيقات زووم.

إلا أن اليومين الماضيين شهدا اضطراباً وعدم استقرار في عدد من تلك التطبيقات لزيادة الإقبال عليها (مثال زووم).

وهذه الخطة تتبعها المدارس التي كانت مستعدة من قبل ولديها إمكانيات وبنية تحتية جيدة.

- عرض الدروس عن طريق فيديوهات شارحة (إما من إنتاج المدرسة أو من خلال روابط خارجية لموارد تعليمية على شبكة الإنترنت) مع إضافة بعض الأسئلة للطلبة حول المادة التي تم عرضها.

- تنزيل الدروس على بعض مواقع على الشبكة (مثل موقع المدرسة) بصورة مبسطة، مع إتاحة الفرصة عبر وسائل التواصل من خلال الهاتف أو الواتس آب أو الماسنجر بين المعلم والطلبة، إلا إن هذا مرتبط باجتهاد المعلم ومبادرته في التواصل مع الطلبة والإجابة على تساؤلاتهم.

- إرسال المادة التعليمية (مثل منهج الأسبوع) بالإضافة إلى الواجبات المطلوبة عبر البريد الإلكتروني لأولياء الأمور وتحديد موعد لتلقي الواجبات على البريد الإلكتروني الخاص بالمعلم.

وتعتبر المشكلة هنا في قدرة أولياء الأمور على متابعة كل هذه الرسائل، وخصوصا لمن لديه أكثر من طفل في مراحل دراسية مختلفة، فلو افترضنا أن المدرسة سوف ترسل الدروس الخاصة بالمواد الخمس الأساسية (اللغة – الرياضيات – العلوم – الدراسات الاجتماعية) ولدى ولي الأمر ثلاثة أبناء هذا يعني أنه سوف يتلقى مع بداية كل أسبوع خمس عشرة رسالة تخص أبناءه.

- توجيه المعلمين من قبل الهيئة التعليمية للتواصل مع الأبناء وفق التطبيقات المتاحة لكل منهما مثل الواتس أب أو البريد الإلكتروني.
ومرة أخرى هذا يعني أن التواصل واستكمال الدروس التعليمية مرهون بإخلاص وتفاني المعلم.

لو كان دور الأهل في الأسبوعين الأولين هو محاولة التعرف على خطة المدرسة وتفاصيلها، فدورهم في الفترة التي تلي ذلك، يتمحور في مساعدة المعلمين والهيئة الإدارية في تفعيل المنصات والتطبيقات المختلفة، وإبلاغ المدرسة بالتغذية الراجعة الخاصة بالخطة والتحديات التي يواجهونها.
لأن الأمور لن تحل وتستقر بين ليلة وضحاها، ولكنها تحتاج لتكاتف الجهود والكثير من الصبر.

3- التحدي الثالث: تهرّب الأبناء من الانخراط في التعليم الإلكتروني (بصورة كاملة أو جزئية)

وقد يعتبر هذا من أكبر التحديات، لأنه من غير المنطقي توقع أن الأبناء سوف يتقبلون بسهولة فكرة "البقاء في المنزل" في بيوتهم، فقد كانت المدرسة في النهاية متنفس للتعرف على الأقران وقضاء الوقت الممتع معهم، وبالتالي لا بد من توقع المقاومة – العنيفة – من قبل الأبناء لهذا التحول.


وبالتالي لا بد من القيام بعدد من الخطوات التمهيدية:

1- التهيئة والإعداد

وهو من أهم الخطوات والمساعدات التي يمكن للأهل أن يقدموها لأبنائهم في هذه المرحلة، وخاصة أنها مرحلة قد تطول لعدة أشهر.

والتمهيد والتهيئة أمر يحتاج لكثير من الشرح والصبر وتقبل المقاومة المتوقعة من قبل الأبناء، لا بد من تناول عدد من الموضوعات بالشرح، بالطبع تختلف طريقة الشرح والتوجيه بحسب السن والمرحلة العمرية.


ومن أهم الموضوعات التي تحتاج لطرحها ومناقشتها معهم:
- الأسباب التي أدت لإغلاق المدارس وعزل الأبناء عن أقرانهم، وخطورة مخالفة هذه الإجراءات.

- أهمية استكمال العملية التعليمية ودور التعليم (بمفهومه العام الصحيح كما أوضحنا) على تنمية مهارات ومعارف الأبناء، بما يساعدهم على تكوين الملامح الشخصية الناجحة في المستقبل.

- التعليم الإلكتروني في حد ذاته ومتابعة الدروس عبر الفضاء الإلكتروني سوف يكون لهما فوائد جانبية أخرى، مثل تنمية مهارات الكتابة السريعة – التعامل مع تطبيقات جديدة – التعرف على كيفية البحث عن المعلومات وكتابة البحوث المبسطة.

- التعليم الإلكتروني والمهارات التقنية المصاحبة له كلها أمور أساسية وضرورية لعالم الغد، وكلما استفاد الأبناء من هذه الأزمة في تنمية مهاراتهم التقنية بصورة فعالة، كلما مهدوا لأنفسهم فرصا أكبر وأكثر لمستقبلهم.

- التعليم الإلكتروني بالقطع سيكون له جانب مثير وسوف يتجنب في بعض أجزاء كثيرة منه للعنصر البشري في الشرح، والذي قد يكون أحياناً مملاً لهم.

2- إعداد البيئة المساعدة على التعليم الإلكتروني بالمنزل

قد يبدوا هذا الأمر ثانوياً ولكنه حيوي، وقد يكون محفزا إيجابيا لتقبل العملية التعليمية، ومن أمثلة الإعداد تلك:
- تخصيص مكان هادئ ومريح لجهاز الكمبيوتر مع إضاءة مناسبة، ومن المفيد أن تتم عملية الإعداد بشيء من المتعة والتشويق.. كأن يطلب من الأبناء اختيار المكان المناسب مع شرح أهمية عوامل الهدوء والراحة – يطلب منهم تزيين المكان بالرسومات – توفير الأجهزة المطلوبة ومتابعة توفر كافة التقنيات المساعدة (ميكروفون، سماعات، طابعة، أوراق للطباعة...).

يمكن للآباء توضيح أن الأمر ليس قاصراً على الأبناء، فهم أيضاً سوف تزيد مدة مكوثهم بالمنزل، وبالتالي سوف يحتاجون هم أيضاً لأماكن مماثلة هادئة للعمل ومتابعة أمورهم عبر الشاشات، ويمكن تحويل موضوع إعداد المكان المناسب لمشروع مصغر يكون للأبناء فيه دور رئيسي.

ولا بد أن يتسم الأهل بالمرونة مع الأفكار التي تبدو غريبة وغير تقليدية، كأن يطلب الأبناء الدراسة جالسين على الأرض أو ساندين ظهورهم على السرير مثلاً.




3- وضع القواعد الحازمة لمدة وطريقة متابعة الدروس عبر الفضاء الإلكتروني

يفضل أن تتم عملية وضع القواعد هنا بمشاركة الأبناء، وإتاحة الفرصة لسماع وجهات نظرهم على أن تنتهي الجلسة المخصصة لمناقشة القواعد الخاصة بمتابعة الدروس بعدد من القواعد المتفق عليها، مثل:
- عدد ساعات متابعة الدروس كل يوم أو كل أسبوع.
- الوسائل التي سوف يتم استخدامها في متابعة الدروس (الكمبيوتر – الهاتف ...).
- وسائل متابعة الأهل لما يتم تدارسه من قبل الأبناء (يومياً – أثناء أو بعد الدروس – عن طريق المتابعة عن بعد أم عن طريق الاسئلة والاختبار..)؛ هذه الوسيلة بالذات تعتمد على سن وطبيعة الأبناء.
- المحفزات بعد إتمام وحدة كاملة أو بعد النجاح في الاختبارات.

بالرغم من عرض هذه التحديات الثلاثة للمساعدة في تحويل العملية التعليمية من النمط التقليدي إلى الفضاء الإلكتروني، إلا أن قائمة التحديات أطول من ذلك ويمكن تناولها في المقالات القادمة، ولكن يجب الانتباه إلى أن من أهم الأمور في الأيام الأولى من هذه التجربة هو إدراك صعوبة هذا التحول، وأننا لن نرى تحولاً فعالاً بين ليلة وضحاها، وبالتالي فأي خطوة بسيطة من قبل الأهل لمساعدة أبنائهم وتهيئتهم لهذا التحول، وأي استجابة ولو على مضض من قبل الأبناء لمتابعة دروسهم في المنزل هو مكسب لا يستهان به، في ظل تلك الظروف الاستثائية.



Comments

  1. احسنت النشر دكتورة ... كلام في الصميم

    ReplyDelete
  2. احسنت النشر دكتورة ... كلام في الصميم

    ReplyDelete

Post a Comment