الآباء والتعليم الإلكتروني في زمن كورونا... أخطاء شائعة (1)







يعتقد الآباء في عالمنا العربي أنهم هم وحدهم من يعاني اضطراباً وعدم وضوح للرؤية الخاصة بعملية التعلم الخاصة بأبناءهم في
ظل استمرار إجراءات إغلاق المدارس وقرارات التباعد الاجتماعي، هذا الامر ليس صحيحاً بشكل كبير حيث أن  غالبية أولياء الأمور في أكثر الدول المتقدمة هم كذلك لم يكونوا على استعداد لهذه الخطوة بهذه الصورة المتسارعة والمفاجئة، فلا داعي إذاً للتوتر والقلق المبالغ فيه في هذه المرحلة الحرجة التي تتطلب من الكثير من الاتزان النفسي بالإضافة إلى المزيد من الصبروالتفهم.
 ومع إدراكنا أن هذه الفترة فترة الإنتقال من التعليم التقليدي إلى التعليم الإلكتروني وهو نمط جديد على أولياء الأمور لم يختبروه بمثل هذا الشكل الكامل من قبل إلا أنه قد يخفف من الإرباك المتوقع في تلك الظروف هو معرفة الإيجابيات أو النتائج الجيدة التي يمكن أن يحدثها هذا الانتقال، وعلى رأسها تنمية مهارات الآبناء الخاصة بالتعامل مع التقنيات الحديثة والتواصل الفعال عبر الإنترنت، التدرب على مهام جديدة مثل البحث عن المعلومات باستخدام شبكة الإنترنت ، كتابة الأبحاث، التعلم التشاركي الذي يساعد على مساهمة كل طالب بما لديه من معلومات ومعارف أثناء عملية التعلم مما يزيد من ثقته بنفسه وبمهاراته. هذا بالإضافة إلى أن هذا التحول يساعد في تنمية مهارات مهمة مثل التعلم المستقل والتعلم مدى الحياة وهي كلها مهارات تساعد على تنمية التفكير النقدي وتنمية الإبداع. وتعتبر كل هذه المهارات ضمن ما يسمى بمهارات القرن الواحد والعشرين  بمعني أنها حزمة من المهارات والكفاءات المطلوبة لتمكين الآبناء من دخول سوق العمل المستقبلي والذي أعلنت كبريات مراكز التعليم والتطوير المهني العالمية أنه سوف يعتمد بالأساس على مهارات التعامل مع التقنيات الحديثة ، القدرة على الإبداع ، والتفكير النقدي والتواصل الجيد مع أطراف عدة من مختلفي المشارب والخلفيات.


إلا أن هناك معوقات قد تعيق تحقيق كل هذه الإيجابيات والمخرجات الجيدة المأمولة من عملية الانتقال من النمط التقليدي إلى  التعليم الإلكتروني ، من بين هذه المعوقات – بل و يمكن أن تعتبر أكبرها وأخطرها – هي سلوكيات الآباء وإدراكاتهم الخاطئة ومفاهيمهم المشوشة حول عملية التعلم تلك  .وتهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على أحد أهم الأخطاء الشائعة التي من شأنها أن تعمل على إفشال جني تلك الثمار الإيجابية لعملية الانتقال للتعليم الإلكتروني،على أن يتم تناول أخطاء أخري إضافية في المقالات التالية



الرغبة في السيطرة

لا يشك أحد في رغبة الآباء الصادقة والمخلصة في مساعدة الأبناء أثناء تعلمهم وفي تمكينهم من المهارات والمعارف الضرورية التي سوف تؤمن لهم حياة مستقرة ومفتوحة الفرص في المستقبل، ولكن تكمن المشكلة في مبالغة كثير من الآباء بدون قصد منهم في متابعة عملية المذاكرة بصورة حثيثة  تتسبب في فشل الكثير من فرص التعلم الحقيقية من خلال "نسف وإهدار" فرص سانحة للتعلم المستقل والتعلم مدي الحياة.


وقد ساعد في ذلك قيام المدارس و المعلمين بمخاطبة الآباء عن طريق البريد الإلكتروني لإبلاغهم بالواجبات المطلوبة أو الدروس التي من المفترض أن تكون محور هذا الأسبوع، وفي أغلب الأحيان يقوم المعلمون بهذا الأمر إما لصغر سن الطلاب  وعدم إمتلاكهم لبريد إلكتروني أو كوسيلة للتواصل وطمئنة الأباء بأن العملية التعليمية مازالت قائمة وأنهم يقومون بعملهم في توفير المادة التعليمية للأبناء. وللأسف الشديد يفهم بعض الأباء هذا الأمر على أنه تحويل دفة "التدريس" من المعلم إلى ولي الأمر. وقد ساعد على هذا التصور الخاطئ إدراكات مشوشة مسبقة تتعلق بعملية التعليم نفسها ففي عالمنا العربي مازلنا أسرى فكرة قديمة مفادها أن التعليم مسؤولية المدرسة والمعلم ، إلا أن الحقيقة مخالفة لذلك تماماً ، لا المعلم ولا ولي الأمر هو المسؤول عن "التعلم" وذلك لأن لكل منهم دوره المختلف،  المعلم ميسر ومساعد ومرشد أثناء علمية التعلم من خلال الشرح او التعريف لبعض المفاهيم الجديدة أو تيسير عملية تعلم المهارات مثل المهارات الحسابية ، أما ولي الأمر أو الأباء فدورهم يتمركز حول تهيئة كافة الظروف والإمكانات التي تساعد على استيعاب ما يقدم من معلومات ومعارف للأبناء وبذل الجهد معهم لترسيخ قيمة العلم والتعلم ، أما المسؤول الحقيقي والأوحد هو "الطالب نفسه" فهو المسؤول عن عملية التلقي والاستفادة مما يقدم له، وكما قال أجدادنا قديماً " يمكنك أن تسوق الحصان للنهر ولكن ليس بالامكان إرغامه على الشرب".




تصرفات خاطئة

وفي ظل تصورات بأن عملية "التدريس" انتقلت من المدرسة إلى البيت وفي ظل عدم القدرة على رسم الخطوط الفاصلة بين السيطرة والدعم أو المساعدة سادت في العديد من الأسر أجواء من الرغبة في السيطرة على "مفاصل" عملية المذاكرة والتعلم تبدأ بالأسئلة الحثيثة والمتكررة أكثر من مرة في اليوم عن الواجبات وهل قام بها الطالب وكيف قام بها وهل أرسلها أم لا... إلخ. ويزيد الطين بلة عندما يقوم الأباء بدافع "السيطرة" بالجلوس بجوار الأبناء أثناء عملية المذاكرة ومتابعتها خطوة بخطوة  وتكون الطامة الكبري حين يعطي الأباء لأنفسهم الحق في التدخل والمساعدة في حل  بعض التمرينات والأسئلة  إنطلاقاُ أنهم بهذا الشكل أنما ييسرون ويساعدون  الأبناء في التغلب على مايواجهونه من مشاكل وصعوبات .
 ولكن في الحقيقة فإن تلك التصرفات من شأنها الاضرار بالإبن أو الإبنه بصورة قد لا يتصورها الأباء فمن ناحية يقوم الأبناء بتفسير ما يقوم به الأباء على أنه عدم ثقة وتشكيك في قدراتهم على متابعة الواجبات بأنفسهم ومن ناحية أخري ي يسهم الآباء بدون قصد بسلب الأبناء فرصة التعلم المستقل و كيفية حل المشكلات  وتنمية مهارات التعلم (مثل عدم فهم الدرس من المرة الاولي – صعوبة تحويل المطلوب لخطوات محددة – إدارة الوقت أثناء المذاكرة – التركيز وعدم التشتت.....) وهي أمور في غاية الأهمية لبناء الشخصية السوية القادرة على الامساك بزمام امورها بنفسها ،الشخصية المستقلة القادرة على حل المشكلات الخاصة بالتعلم بنفسها في المقام الأول.



الدور المطلوب

قد يتساءل الأباء الآن لو لم تكن كل هذه الامور من صميم مسؤولياتهم والمهام المفترض عليهم القيام بها، فما هي الأمور التي يمكنهم القيام بها من أجل دعم الأبناء أثناء عملية التعليم الإلكتروني في ظل استمرار إغلاق المدارس والهيئات التعليمية. بالطبع الإجابة على هذا الامر تختلف بحسب السن وبحسب إمكانيات الأبناء وشخصياتهم وقدراتهم، وبالتالي سوف تكون  الإجابة بحسب المرحلة السنية


من رياض أطفال وحتي الثاني الابتدائي

-        على الآباء التأكد أن الإبن أو الإبنه قد استلم  المادة التعليمية بشكل كامل وواضح
-        التأكد أن الأبناء فهموا المطلوب منهم
-        توفير كافة الإمكانيات المطلوبة للقيام بالواجبات ( مثلا جهاز كمبيوتر – طابعة -...)
-        توفير الجو المناسب والهادئ
-        تحديد وقت للإنتهاء من الواجبات والمهام الدراسية
-        المتابعة مع الأبناء   فقط  للتأكد من أن الطالب يسير في المسار الصحيح و يقوم بما هو  مطلوب منه  (دون تدخل)




الصف الثالث الابتدائي وحتى نهاية المرحلة الابتدائية من

إضافة لكل ما سبق يمكن اتخاذ الإجراءات التالية

-        التأكد من أن كافة الإمكانيات متوفرة وخصوصاً شبكة الانترنت
-        مناقشة الوقت الذي سوف تستغرقها الواجبات والمهام الدراسية وإتاحة جو هادئ أثناء القيام بما هو مطلوب
-        سؤاله إذا كان يحتاج لمساعدة أثناء القيام بما هو مطلوب أم لا

المرحلة الإعدادية ( المتوسطة)

ولأن هذه المرحلة هي مرحلة شائكة جداً لارتباطها بالدخول في فترة عمرية جديدة ( المراهقة) ينصح بالآتي
-        دعم الأبناء من خلال إبراز الثقة في إمكانياتهم وقدراتهم وخاصة في التعامل مع التقنيات الحديثة
-        السؤال عن ماهية الموضوع الذي يتم تدارسه لفتح باب النقاش وتوجيه الانتباه لمصادر معلوماتية أخري تعمل على توسيع أفاق المعرفة في جو من التفهم والرغبة الصادقة في اكتشاف الميول العلمية وتنمية القدرات على الإبداع
-        المساهمة في توفير المواد التعليمية الإضافية التي من شأنها أن تساعدهم على التميز والتفوق (روابط لمواقع علمية – كتب – توجيه الإبن أو الإبنه لفاعليات علمية في مجال اهتمامهم تتم على شبكة الانترنت – إرشاد الأبناء ا  إلى المواقع 
على شبكة الإنترانت ذات الإهتمام بمجال أو تخصص معين...)


المرحلة الجامعية وما يليها من مراحل:
من المفترض ان يكون الابن أو الابنه قد تمكنوا من مهارات التعلم وأصبح لهم شخصيتهم المستقلة بشطل كامل، وبالتالي يتقلص دور الآباء في المتابعة ولكن لا يمنع هذا من الدعم و تقديم العون كلما احتاج الابن او الابنه ومن أهم وسائل الدعم في هذه المرحلة هو التعبير عن الثقة والإشارة إلى نقاط القوة والضعف في نقاشات يسودها الود والتفاهم والرغبة في تنمية المهارات وتطوير القدرات والكفاءات.


نشرت هذه المادة على صفحة "صحتك" بتاريخ 31 مارس  ويمكن  الوصول لها على الرابط التالي 

Comments