Skip to main content

أيها المختلفون... منكم نستفيد

أيها المختلفون... منكم نستفيد

منى يونس



"صناع الإرادة" ربما لم يمنحهم الله عز وجل نفس ما يمنح الأصحاء من القوة الجسدية والقدرات الحركية، إلا أنهم تم تعويضهم بما
هو "مختلف"، قد يكون هذا الأمر المختلف قدرة، مهارة، إدراكاً، ذاكرة، ولكنهم باليقين لديهم ما ليس لدينا نحن الأصحاء. إنه ببساطة قانون العدل.

المشكلة لا تكمن فيهم بل فينا نحن، نحن من أعاقتنا سيرورة الحياة ورتابتها عن رؤية وتقدير "المختلف" واكتشاف المكنون من المواهب والقدرات المحيطة بنا، خدعتنا الحياة بمظاهرها وصرنا لا نرى سوى القشور وأعمت بصائرنا الشكليات حتى ران عليها، فلم نعد نرى جمال الخالق وعدله في بني البشر المختلفين عنا.

صناع الإرادة، متحدو الإعاقة وطوق العجز والاحباط، انطلق العديد منهم نحو اكتشاف الذات في رحلة مثيرة تملؤها الحيوية والتفاؤل، تعترينا الدهشة حينما نسمع قصص نجاحاتهم، ولكن للأسف لا تستوقفنا مشاغلنا عن السؤال الأهم: "كيف؟" كيف استطاعوا خوض الحياة بمراراتها؟ كيف استطاعوا الوقوف أمام أنفسهم الضعيفة ومجتمعاتهم الجاحدة؟ كيف نجحوا في "عدم الوقوع في هوة الإحباط واليأس"؟

بعد قراءة العديد من قصص النجاح، مثل قصة فتاة التوحد، تمبل جراندين، والتي عرضت قصة حياتها في فيلم سينمائي مشهور، حيث أنها تفوقت على قرنائها وحصلت على الدكتوراه وأصبحت ملء السمع والبصر بسبب أبحاثها في علم الحيوان وكتاباتها المتعمقة في كيفية التعامل مع المصابين بالتوحد، أو بعد تصفح حكايات الفائزين في الألعاب الرياضية العالمية، أو في مجالات العمل الإنساني، أجمعت الغالبية العظمى على أن الإجابة على تلك الأسئلة تكمن في كلمة واحدة "الثقة".


الثقة نوعان: أولها هي الثقة في الحكمة المطلقة، وهي عند المسلمين الثقة بالله تعالى والثقة في حكمته التي وإن غفلنا نحن الآن عن مكنونها، أسبابها، ومآلاتها، إلا أن الإيمان بها يبقى راسخاً وغير قابل للتشكيك، نعم العديد ممن تفوقوا على إعاقتهم رغم قسوة الحياة وجحود المجتمع، لم يكونوا مسلمين وبالتالي لم يسمعوا عن النهي الرباني عن اليأس، أو التوجيه القرآني للتمسك بالصبر والصلاة ولكنهم مع ذلك لديهم إيمان واعتقاد راسخ بأن هناك حكمة ما وأن الأمور لا تحدث صدفة أو اعتباطاً ولكنها كلها مُسيرة للخير؟

فمن الأمور الجديرة بالاهتمام، على سبيل المثال، معرفة أن معظم كتب المأثورات وأقوال المشاهير بها باب كامل بعنوان لكل أمر حكمته Everything happens for a reason ويحتوي باب الأقوال المأثورة في التراث الإنساني، والذي سبقنا أهل اللغة الإنجليزية في تجميعه، كلمات جمعت من كل البلدان ومن شتى مشارب البشر.

أما النوع الثاني من الثقة فهو "الثقة بالنفس"، الثقة بالقدرات والطاقات البشرية اللامحدودة، الثقة في إمكانيات الروح في التصدي لما حولها والإيمان بأن الطاقة الإيجابية في الإنسان هي التي تسيره وتقوده نحو الأمام وإلى العلو والرقي (إن امتلك تلك الثقة واستفاد منها بإشعال جذوة روحه المتقدة) فما الأجساد سوى أداة الحركة تسيرها الروح.

ومن أقوالهم نتعلم كيف نبني تلك الثقة، يقول نيك فيوتتش، وهو المعروف بـ"فاقد الأطراف الأربعة"، الذي ذاع صيته كمحاضر متنقّل ومؤسس منظمة الحياة بدون أطراف وكاتب ومخرج أفلام وثائقية: "قد أكون فاقداً القدرة على السيطرة الكاملة لما يحدث لي، ولكن لدينا القدرة على السيطرة على طريقة رد فعلنا واستجابتنا، لو اخترنا التوجه الصحيح فسوف نرتفع على أي تحديات قد تواجهنا"، وبالنسبة له فقد تحدى الحياة بلا أي من الأطراف الأربعة. لم يكن بالتأكيد أمراً ميسراً وسهلاً.



نشرت هذه المادة على صفحة تربية و تعليم بشبكة العربي الجديد بتاريخ 29 نوفمبر 2015                

Comments