وفي السفر... سبع فوائد تربوية

وفي السفر... سبع فوائد تربوية

منى يونس



لو أدرك التربويون، خاصة الوالدين، ما في السفر من فوائد تربوية وتعليمية لمالت كفة الإنفاق الأسري لصالح عملية التعلم من خلال السفر، بدلاً من التلقين من خلال المدرسة أو المدرس الخصوصي. لا ينكر أحد ما للمدرسة من أهمية لنيل الشهادات الأكاديمية التي تعتبر في عالم اليوم جواز سفر لسوق العمل وإيجاد فرصة عمل. إلا ان للسفر والترحال فوائد تربوية إيجابية تؤثر على شخصية الأبناء على المدى البعيد، ويمكن أن تساهم في تنمية العديد من المهارات الحياتية الأساسية التي سوف تساعد على تكوين تصوراتهم المتوازنة للحياة والكون.

الفائدة الأولى: بناء "الرضى" الداخلي
كلما كانت السياحة إلى المناطق الريفية البسيطة البعيدة عن صخب المدينة والحياة العصرية أدرك أبناؤنا قيمة النعم المحيطة بهم من كل جانب، ولكن في نفس الوقت سوف يتعرف الأبناء على معنى السعادة الحقيقية في الأشياء البسيطة، فحتى الفقراء والمحرومون يسعدون ولكن سعادتهم تنبع من المشاعر المحيطة بهم من إحساسهم بالطبيعة ومن أمور أبسط من التي تسعد أبناءنا؛ قاطني المدن ومعتادي حياة الترف.

الفائدة الثانية: تنمية المهارات الاجتماعية
أثناء السفر سوف يتعرف الأبناء على أنماط عديدة من البشر في الفندق، في المواصلات، في السوق وأثناء تفقد المناطق السياحية، سوف يتعرضون لمواقف عديدة تعلمهم أن الحياة مليئة
بأنماط من البشر المختلفة منهم العصبي، السهل السلس، المتغطرس، المتسرع، المتواضع، المحتال.
سوف يتعلم الابن أو الابنة أن الحياة فيها طرفا النقيض وأن هذا الأمر موجود في كل مكان، وبالتالي علينا تعلم التعامل معهم رغم اختلافهم ورغم صعوبة طباعهم في بعض الأحيان، وهذا أمر قد يسهل تجنبه في الحياة وسط الأسرة الضيقة والممتدة وفي المدرسة حيث يسهل اختيار الأصدقاء والإبقاء على قائمة محددة منهم وسط المقربين، والذين يتعامل معهم الأبناء ولكن في السفر الأمر مختلف.

الفائدة الثالثة: تنمية مهارة حسن التصرف
أول أمر يواجه المسافر ويتعلمه هو أن كثيراً "لا تأتي الرياح بما تشتهيه السفن" فهناك دوماً المواقف غير المتوقعة والخطط التي لا تتم وفق ما رسم لها وكثيراً ما تتداخل الظروف في توجيه وجهة المسافرين، فالحياة مليئة بالأمور غير المتوقعة، والتي قد تأتي بعكس المرغوب وفي هذا فائدة كبيرة حيث يوفر هذا الأمر فرصة ذهبية لتعلم حسن وسرعة التصرف في الظروف غير المتوقعة وتغيير الخطط بما هو مقبول ووفق المستطاع. وهذه الأمور سوف تنمي مهارة التعامل مع الأمور الطارئة والاستفادة بما هو متاح للخروج بأمثل الحلول وتخطي العقبات.

الفائدة الرابعة: تنمية مهارة إدارة الوقت
قد يتخيل الوالدان أن الأبناء يتعلمون هذه المهارة من خلال منظومة الامتحانات والواجبات المدرسية التي لها توقيت محدد، ولابد أن يتم بذل المجهود وفق جدول زمني محدد ومعروف، إلا أن السفر يعلم الأبناء أمراً مهماً جداً ألا وهو أن
القيم الذي لا يمكن تعويضه، فإضاعة الوقت وعدم حساب الزمن قد يؤدي لعدم اللحاق بالطائرة أو المركب الذي يكون قد تم شراء التذاكر له، في السفر هناك العديد من الأمور التي تحتاج لمراعاة الوقت وعدم القدرة على إدارة الوقت قد يؤدي لإفساد الرحلة كلها وهي أمور يدرك الأبناء سريعاً أنها لا تعوض بمال الوالدين أو ثروتهما.

الفائدة الخامسة: تنمية القدرة على احترام الاختلافات
ليس هناك ما هو مثل السفر والترحال في فتح آفاق التعرف على اختلافات البشر، اختلافات ترسمها البيئات المختلفة واختلافات ترسمها الطبيعة البشرية نفسها، يتعرف الأبناء على أن "التعميم" سلوك غير سوي وأن الشعوب هي خليط بشري متنوع المشارب ومتعدد الطباع وهي أمور كلها لن يتأتى له التعرف عليها في بيئة الأسرة أو المدرسة الضيقة.
قد يتعلم الأبناء الكثير عن الحضارات المحيطة ببلدانهم وعن الشعوب القريبة والبعيدة ولكن ليس هناك ما يمكن مقارنته بتجربة المعايشة الحقيقية والتعرف عن قرب على تلك الحضارات والثقافات المتباينة، فهو يسمع عن الصين وعن منتجاتها وعن أهلها الذين يأكلون كافة ما يمشي على أربع، ولكن هذه المعلومات تظل صماء حتى يأتي يوم الاختلاط بتلك الشعوب والتعرف عليها وعلى ثقافتها، عاداتها وحضارتها عن قرب، وغني عن الذكر ما لمثل هذه التجربة الغنية من تأثير على شخصية الفرد، وبصفة خاصة على تقبله للآخر واحترامه للاختلاف البشري والإنساني.

الفائدة السادسة: اكتشاف الذات
في المدرسة ترتسم شخصية الابن أو الابنة على يد المعلمين وفي بعض الأحيان يتناقل المعلمون الصورة الذهنية لطلابهم، فتلتصق تلك الصورة لدى المحيطين بالابن أو الابنة وهي أمور محبطة في كثير من الأحيان؛ لأنها تعني رؤية الابن أو الابنة وفق منظور واحد لا يتغير، بالرغم من أن الأبناء - مثلنا جميعاً - لديهم شخصيات معقدة ومتعددة الجوانب، من خلال السفر قد يكتشف الابن أو الابنة جانبا جديدا لشخصيته ويكتشف قدراته وكفاءاته بصورة أكثر وضوحاً بعيداً عن تأثير المعلمين والأقران، وهي أمور لا تقدر بمال، فاكتشاف نقاط القوة والضعف في الشخصية هي أمور محورية مؤثرة على التكوين النفسي والمهاري للشخص.

الفائدة السابعة: تنمية مهارة التنظيم والتخطيط
نعلم أن من أهم الصفات التي يتطلبها أصحاب الشركات وأرباب العمل هذه الأيام هو مهارة التخطيط والتعامل مع المتغيرات والقدرة على المرونة، وهي أمور لا يساعد روتين المدرسة
اليومي على اكتسابها وتنميتها، ففي المدرسة الجداول معدة مسبقاً، المناهج مخطط لها بمهارة من قبل المتخصصين، والحالات الطارئة هناك من هم مسؤولون عن التعامل معها، أما في السفر فالوضع مختلف ويجد الأبناء أنفسهم في مواضع متخذي القرار - حتى ولو كانوا وسط أسرهم ومعهم مرافقوهم - وينصح دوماً بالاستفادة من تلك المواقف غير المتوقعة لاستدعاء رأي الأبناء والاسترشاد به؛ لأن الرحلة تخص الجميع ولأنها مواقف تربوية ذهبية تساعد على بناء الثقة بالنفس وتنمية مهارتي التنظيم والتخطيط.
يتوقف الكثير من تلك المواقف التربوية التي تمر على الأبناء أثناء السفر والترحال على قدرة الوالدين على الاستفادة منها وحسن استغلالها للوقت، فقد لفت عدد من التربويين إلى حقيقة أن السفر قد يكون فرصة لبناء الثقة بالنفس بصورة كبيرة لو أطلق الأبوان العنان للأبناء فترة الإعداد لوضع التصورات والخطط ومن ثم مناقشتهم واتخاذ القرارت معهم بصورة جماعية، فهذه الأمور تعمل على إحساسهم الإيجابي بذواتهم وبقدراتهم وهي كلها أمور لا تقدر بمال.





نشرت هذه المادة على صفحة تربية و تعليم بشبكة العربي الجديد بتاريخ 11 يوليو 2016                

Comments