Skip to main content

انسف... تعليمك القديم

انسف... تعليمك القديم

منى يونس

انتشر في الثمانينات من القرن الماضي مقطع دعائي على شاشات التلفاز المصرية لحث المشاهدين على شراء أنواع جديدة من
سيراميك الحمامات وكان الشعار "انسف حمامك القديم"... وتوحي كلمة "انسف" أي قم بهدم ومحو وإزالة شيء ما بصورة كاملة. وهذا ما نحتاج إليه حينما نفكر في العملية التعليمية الحالية في عالمنا العربي. .. فنحن نعيش الآن في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين في مرحلة تاريخية تختلف بالكلية عن النصف الأول من القرن الماضي حينما تأسست وبنيت أغلب المؤسسات التعليمية في عالمنا العربي بمرحلتيه الجامعية وما قبلها... تغير العالم نفسه – تغيرت السياسات، الاقتصاد، وسائل التواصل الإنساني وسادت حياتنا أنماط وسلوكيات أكثر تعقيداً بل من التوقع – مع ثورات التكنولوجيا المتلاحقة أن تتزايد تعقيدات الحياة بصورة متسارعة.
تقلصت المسافات والكيانات التي أضحت تتخطى الحدود الجغرافية الوطنية فأصبحنا نعيش كلنا الآن تحت تأثيرات الثقافات والأنماط المهيمنة (النمط الغربي للحياة وأسلوبها )، ومن ناحية أخرى نرى ثورات متلاحقة في مجال التكنولوجيا مثل ثورة بدأت مع ثورة المعلومات والإنترنت – تلتها ثورة المحمول وجاءت الموجه الثالثة في صورة الإعلام الاجتماعي تعمل على تدفق المعلومات في اتجاهين، الاتجاه الرأسي والأفق...الرأسي أي أننا اصبحنا قادرين على الوصول للمعلومات المرتبطة بالماضي والحاضر والمستقبل بصورة آنية (دون عناء) أما التدفق الأفقي فهو حركة المعلومات الهائلة التي تغطي كافة الثقافات واللغات والعلوم والتخصصات.
وبالتالي أصبح من الضروري أن تتوافق العملية التعليمية مع احتياجات العصر الحديث، ومتطلبات القرن الحادي والعشرين. ومن أجل ذلك تقوم العديد من الدول والمؤسسات البحثية في الغرب بمراجعة سياساتها التعليمية بصورة منتظمة لتحليل ما إذا كانت المناهج تتوافق ومتطلبات الحياة العصرية أم لا. وتنطلق الدول عادة من النتائج والمؤشرات التي تنشر في التقارير الدولية، ومثال على ذلك ما حدث في 2002 عندما أعلنت الولايات المتحدة انزعاجها الشديد من مركزها (الذي جاء دون المتوقع) على مؤشرات تقارير التنافسية الدولية، وقامت بتكوين لجان لتحليل أسباب ذلك، وكان من بينها اللجان التي دأبت على مقارنة المهارات التي تتطلبها أسواق العمل واقتصاديات الدول الكبرى وتلك التي تركز عليها المناهج التعليمية، على أن تقوم اللجنة في نهاية الأمر بصياغة قائمة واضحة ومحددة لمهارات "القرن الواحد والعشرين" التي على المناهج أن تتمحور حولها.
وإذا كانت الدول الكبرى تقوم بتقييم منظومتها التعليمية لتطويرها وسد الفجوات الظاهرة فدولنا العربية، مما لا شك فيه، أكثر احتياجاً لمثل هذه الخطوات فهناك مشكلات وعقبات ضخمة تقف حجر عثرة أمام مسيرة تطور التعليم، من بينها بعد المناهج الحالية عن واقع الحياة وانفصالها عن المجتمع ومتطلبات سوق العمل، طبيعة المناهج وجفاء المادة المقدمة التي – بالتضافر مع أساليب التدريس القائمة على الحفظ والتلقين – لا تساعد على تحفيز الطالب أو جذبه لعملية التعلم.
حتى لا نبكي على اللبن المسكون نسعى في هذا ملحق "المنهل" إلى أن نلقي الضوء على بعض المبادرات الشعبية التي دأبت على إيجاد حلول عملية لبعض تلك المشكلات، وسوف نطوف بالقارئ بين الدول والمبادرات، فمن مصر إلى الهند ومن الولايات المتحدة إلى أميركا اللاتينية ومن تلك المبنية على الاستفادة من التكنولوجيا إلى تلك التي توفر الأتوبيس المدرسي للفقراء.





Comments