النمور الآسيوية... كيف نجحت في ملف التعليم بهذه السرعة؟





منى يونس 

بالرغم من مرور عدد من الأشهر على إعلان نتائج  اختبارات كل من البيزا وتمسالدولية PISA and TIMSS والتي تهدف لقياس جودة التعليم في الدول المختلفة إلا أن أصداء تقدم النمور الآسيوية لأفضل النتائج مازالت تثير كثيرا من النقاشات والتحليلات بين أوساط الباحثين الراغبين في دراسة الظاهرة الآسيوية واستنتاج الدروس والعبر لحالة نجاح سريعة ومثيرة للاهتمام.   اختبارات البيزا (التقييم الدولي للطلبة) هي اختبارات دولية للطلبة في المرحلة الإلزامية يقيس مستوى المناهج التعليمية - وبصورة خاصة العلوم والرياضيات والقراءة - للدول المشاركة، وبالرغم من الانتقادات العديدة التي يتلقاها هذا الاختبار من كبار الباحثين إلا أنه مازال المقياس الأشهر بين الدول حينما يتم الحديث عن جودة التعليم، يهدف هذا الاختبار والذي تعقده منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية مرة كل ثلاث سنوات إلى تصنيف النظم التعليمية للدول المختلفة المشاركة ويقوم على فكرة اختيار عينة عشوائية من الطلبة من مدارس الدول المشاركة. 

أما طريقة الاختبار فهي قائمة على تفحص قدرة الطلبة على التعامل مع ما وراء النص وقدرة الطالب على إعمال العقل أكثر من الحفظ والنحت، إضافة إلى التركيز على استيعاب المفاهيم والقدرة على العمل في أي مجال تحت مختلف الظروف بهدف قياس مدى نجاح الطلاب الذين بلغ سنهم 15 سنة والذين هم على وشك استكمال تعليمهم الإلزامي والاستعداد لمواجهة تحديات مجتمعاتهم اليومية وبالتالي يهدف الاختبار إلى فحص جاهزية الطلاب لإنهاء المرحلة الإلزامية.

أما اختبارات أو مسابقة التيمز (
TIMSS)، وهي دراسة تُجرى على المستوى الدولي وتُعنى بدراسة معارف ومهارات وقدرات الطلاب في الرياضيات والعلوم، فإنها تستقصي إنجازات الطلاب في هاتين المادتين في مجموعة من دول العالم. وقد صُممت الدراسة لتقيس الفروق بين النظم التعليمية الوطنية وتفسير هذه الفروق.

مجال للاقتداء
أطلق لقب "النمور الأسيوية" على عدد من دول شرق آسيا (تايوان، سنغافورة، هونغ كونغ وكوريا الجنوبية) استطاعت أن تحقق معدلات نمو اقتصادية كبيرة وسريعة خلال الفترة ما بين الستينيات والتسعينيات، ويتساءل الباحثون في مجال التربية هل نشهد نفس الظاهرة في المجال التعليمي بعدما استطاعت نفس هذه الدول تحقيق أعلى المعدلات في امتحانات البيزا وتيمس خلال الأعوام القليلة الماضية.
"
عبر الطلبة الكوريون عن أنهم لا يعرفون ترف "عطلة نهاية الأسبوع" لأنهم بالضرورة سوف يلتحقون بأحد المراكز التعليمية التي تعمل على رفع مستواهم التعليمي

"

ففي عام 2016 تصدرت كل من سنغافورة وكوريا الجنوبية والصين وتايوان ولحقت بهم اليابان قائمة أفضل النتائج في دراسة "التميس" وساعد هذا الأمر على أن تقوم تلك الدول بحملة دعائية كبيرة تستهدف استقطاب طلاب من الدول المجاورة وحتى دول أوربا إلى مدارسها.

أما الدول الأوروبية التي لم تحقق إنجازاً كبيراً في تلك الاختبارات، فقد بدأت تحذو حذو سنغافورة في تدريس مادة الرياضيات من خلال تطبيق عدد من المناهج ووسائل التدريس السنغافورية، ومن ناحية أخرى بدأت عدد من مدارس بريطانيا في تنظيم رحلات تبادل ثقافي وتعليمي مع دول آسيوية مثل الصين وكوريا الجنوبية. وخرج هؤلاء الطلبة البريطانيون (من مقاطعة ويلز) بعدد من الملاحظات التي رأوا في حوار لهم مع البي بي سي أنها قد تكون السبب وراء ذلك التقدم التعليمي الملحوظ.

ملاحظات الطلبة
كان أول ما لفت انتباه الطلبة هو الساعات الطويلة التي يقضيها الطالب في كوريا الجنوبية في عملية الدراسة والتعلم والتي تصل في بعض الأحيان إلى 16 ساعة يومياً، وقد عبر الطلبة الكوريون عن أنهم لا يعرفون ترف "عطلة نهاية الأسبوع" لأنهم بالضرورة سوف يلتحقون بأحد المراكز التعليمية التي تعمل على رفع مستواهم التعليمي.

كان ثاني تلك الملاحظات أن الطلبة تتمحور أهدافهم وأحلامهم حول الالتحاق بإحدى الجامعات ذات الأسماء الكبيرة وقد حكى لهم الطلبة أن عملية الالتحاق هذه هي بالنسبة لهم "حياة أو موت" فدخول الجامعة هو الضامن الحقيقي من وجهة نظرهم لحياة كريمة وآمنة. ويعمل الآباء و الأمهات في كوريا بكل جد وحزم على تحقيق تلك الآمال حتى إن الطلبة يعيشون تحت ضغوطات كبيرة أدت إلى زيادة ملحوظة في معدلات الانتحار بين الشباب.

تحليل الباحثين
يرى الباحثون أن الأمر أعقد من هذا، وفي دراسة قام بها مارك بويلان وجد أن الأمر يرجع إلى أربعة أسباب:
"
التدريس مهة محترمة جداً والحصول على تلك الوظيفة ليس بالأمر الهين، فالتنافس كبير لأن ظروف العمل لتلك المهنة ظروف مريحة كما أن المعلم له كل الحق في الانخراط في الدورات التدريبية التي يحتاجها

"

1- الثقافة المجتمعية:
تسود هذه الدول معتقدات بأن الشخص يمنح النجاح لو بذل مجهوداً وأن القدرات الذاتية يمكن تطويرها بالتدريب وبذل الجهد، وبالتالي يسود الاعتقاد بأن أي شخص مهما كان مستواه أو خلفيته يمكن له أن ينجح ويتفوق وبالتالي لا مجال هناك لفصول خاصة بالمتفوقين، وليس هناك مناهج أو تدريبات لفئة دون أخرى.

2- مستوى المعلمين
التدريس مهة محترمة جداً والحصول على تلك الوظيفة ليس بالأمر الهين، فالتنافس كبير لأن ظروف العمل لتلك المهنة ظروف مريحة كما أن المعلم له كل الحق في الانخراط في الدورات التدريبية التي يحتاجها، فمثلاً في شانغهاي تقل عدد ساعات التمدرس بالنسبة للمعلم لو قيست بتلك المناط بها المعلم في إنكلترا، بالرغم من أن المعلم في شنغهاي يقوم بالتدريس لفصول عدد طلابها أكبر من إنكلترا إلا أنه لا يطلب منه إلا حصتين في اليوم كل منها مدتها 40 دقيقة على أقصى حد، مما يتيح للمعلم التخطيط الجيد وإقامة علاقات إنسانية مع الطلبة.
أما في اليابان فيقوم المعلمون بملاحظة بعضهم البعض في رحلة سلسة للتطوير المهني، يقوم المعلم بزيارة صفية لزميله ويدون أهم ملاحظات نقاط القوة التي لديه وأبرز الاستراتيجيات المستخدمة ويمكن أن يستفيد منها. 

3- الاستفادة من الأبحاث
استفادت تلك الدول من الأبحاث والنظريات العلمية التي تمت في الغرب بصورة كبيرة، كتطبيقها المبتكر لنظريات "برونر" القائمة على فكرة التعلم من خلال الممارسة العملية، فقد طبقوا هذا الأمر بصورة كبيرة في تدريس الرياضيات بحيث لا يتم تعليم الطلبة مفاهيم الأرقام والجمع والطرح إلا من خلال الممارسات العملية. 

4- الدفع الجمعي
كانت سنغافورة من الدول المتخلفة في نظامها التعليمي إبان الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف السبعينيات، إلا أن قيادة البلد قررت أن تقوم بإصلاح العملية التعليمية من خلال برنامج متكامل يشمل كافة النواحي التعليمية من مناهج- تطوير لكفاءات المعلمين- إعادة تأهيل الأبنية- توعية الأهل، وتسمى هذه الاستراتيجية بالدفع الجمعي.



نشرت المادة على صفحة تربية وتعليم بشبكة العربيالجديد  بتاريخ 28 يونيو 2017

Comments