Skip to main content

كابوس الثانوية العامة.. وداعا

كابوس الثانوية العامة.. وداعا

منى يونس


مع موسم الثانوية العامة تصدع الصحف كل عام بأخبار عن المنتحرين من جراء صعوبة الامتحانات وإحساسهم بضياع مستقبلهم. يمر علينا الخبر سريعاً ولا نهتم لأننا لا ندرك أننا لا نرى سوى القشور الخارجية لمنظومة "الموت المتكامل" ولا ندرك أن ما نسمع عنه ما هو إلا قمة جبل الجليد.

مع الثانوية العامة تنقلب الحياة رأساً على عقب.. شهر حزيران تفور فيه المشاعر وتموج الحياة بالتوترات والانفعالات كالترمومتر مع كل امتحان بل ومع كل سؤال..
الأبناء يدركون أن مصير خياراتهم المستقبلية مرتبط بكل درجة ترصد على الورقة.. الأهل يتضرعون مبتهلين أن ينجح الأبناء فيرحموا من نزيف الدروس الخصوصية الذي يقضي على الأخضر واليابس من ميزانية الأسرة.. فكل البنود تتضرر حتى تمر العاصفة وكل الأفراد تنكمش متطلباتها حتى تظهر النتيجة، وعلى الابن أو الابنة يحصل على معدل مرتفع يرفع من أسهمه في دخول الكلية أو سوق العمل.

الكل يعرف ويدرك تمام الإدراك أن المنظومة كلها خربة وفاشلة وأن المدرسة لا تعلم، وأن المناهج المتضخمة بمعلومات "أكل عليها الدهر وشرب" لا تساعد على تنمية أي مهارات، وأن الإدارات المدرسية مكبلة باللوائح والقوانين، وأن المعلم ما عاد مبدعاً ولا ملهماً بل صار بالديون مثقلاً مثله مثل باقي عامة الشعب..
وبالتالي – ومع مرور الزمن – أدرك العقل الباطن أن المدرسة للشهادة، والمذاكرة للامتحان وأن التفكير الوحيد المبني على منطق الواقع هو التفكير في كيفية "لم الدرجات" وأن الإبداع الأوحد االسليم وفي مكانه الصحيح هو الإبداع في كيفية "الاحتفاظ بالمعلومة - بأي طريقة كانت - ليوم الامتحان".

وفي مثل هذه الظروف يستباح كل شيء، فالهدف واحد والطريق واضح:
• بالنسبة للطالب "لم الدرجات" واجتياز هذه السنة والشهور ـ كما يقولون - بالطول أو العرض.
• بالنسبة لولي الأمر مساعدة الطالب على ذلك بأي ثمن.
• بالنسبة للمعلم الخروج بجيوب عامرة تم لمها في أثناء مساعدة الطلبة "للم الدرجات".

تأتي الامتحانات في مستوى الطالب النابغة البارع، تأتي المسائل لوغرتمات والأسئلة ألغازاً مبهمة، الطالب لا هو فهم السؤال ولا وجد للإجابة سبيلاً.. إحساس بالقهر والظلم يموت معه الأمل في مستقبل مشرق أو حتى غد له قيمة أو حياة تتسم بأدني درجات الكرامة.

تسرب الامتحانات، وتنتشر الأسئلة على وسائل التواصل الاجتماعي.. الكل كسبان: الطالب يعرف الإجابات ويسهل عليه "لم الدرجات" ويرتاح ولي الأمر لأن اجتياز السنة بات وشيكا واستنزاف الدروس لأموال الأسرة في طريقه للتوقف، أما الذي يأبى الغش ويظل مستمسكاً بحبل من الأمانة وشعرة من ضمير، فيموت لديه رويداً رويدأ الإحساس بالمساواة والعدل.

يغش الطلاب ويساعدهم الأهل والخلان، لا ضير فالامتحان للشهادة لا أكثر والمعدل العالي يرفع رأس الأسرة ويساعدها على الحياة الكريمة.. ويموت معها الإحساس بأن التعلم طوق نجاة والعلم منجاة.. يموت الإحساس بأن المدرسة صرح المعرفة وسبيل تنمية القدرات.

يتحول المعلمون من ملهمين لطلابهم ومحفزين لعقولهم وملهبين لقدراتهم إلى جامعي نقود على أبواب قاعات دروس التقوية حيث يتم ترديد المعلومة و"تحفيظها للطلبة" عن طريق أغاني الراب تارة وعلى إيقاعات موسيقى رقص التنورة تارة.. أليس الهدف "حفظ المعلومة" إذا كل الطرق إلى ذلك مباحة... يردد الطلبة الدرس كالبغبغاوات وتعلوهم الابتسامة وتغشي وجوههم البشرى.. بشرى بموت الفكر وإعمال العقل وبناء المعرفة.
وداعاً حزيران... وداعاً شهر الموت.





نشرت هذه المادة على صفحة تربية و تعليم بشبكة العربي الجديد بتاريخ 29 يونيو 2015                

Comments