Skip to main content

جنوب الصحراء الكبرى... دول تستعين بشركات ربحية لإدارة التعليم

جنوب الصحراء الكبرى... دول تستعين بشركات ربحية لإدارة التعليم

منى يونس

تعترف المنظمات الدولية وعلى رأسها "يونسكو" والبنك الدولي بالتقدم الذي أحرزه عدد من دول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا
في ما يخص زيادة نسب التحاق الطلبة بالمرحلة الابتدائية التي تعدت زيادتها مرتين ونصف من عام 1999 إلى عام 2012 ، فزاد عدد الطلبة الملتحقين بالمرحلة الابتدائية من 62 إلى 149 مليون طالب، وبالإضافة إلى هذا قامت 15 دولة من دول جنوب الصحراء الكبرى في عام 2000 بإلغاء المصروفات المدرسية

دعوة الشركات الربحية للمشاركة
في يناير 2016، أعلن وزير التربية والتعليم الليبيري أنه سوف يستعين بشركة "بريدج إنترناشونال أكاديميز" الأميركية لتسيير 50 من المدارس الحكومية، مثله مثل عدد من الدول التي سبقته: كينيا وأوغندا ونيجيريا، ففي تلك الدول تقوم هذه الشركة بتولي إدارة عدد كبير من المدارس الحكومية قوامها 100 ألف طالب، وأعلن الوزير حينها أنه لو أثبتت التجربة نجاحها سوف يولي نفس الشركة كافة مدارس البلاد الحكومية. وأثار هذا الإعلان جدلاً واسعا آنذاك لأنه حسب ما أعلن سوف تتم الاستعانة بالشركة الربحية باستخدام نموذج "الاستعانة من الباطن".

وبالتالي هوجم الوزير وقراره بانتقادات واسعة كان أكثرها وضوحاً فكرة التعامل مع البشر مثلهم مثل مشاريع البنية التحتية والمقاولات والتعامل مع إدارة التعليم مثلها مثل إدارة المشاريع التي يمكن أن توكل من الباطن لمقاول أو مهندس مدفوع الأجر، يرى النقاد أن هذا النموذج سوف ينهي سيطرة الدولة على العملية التعليمية بما فيها المناهج ومحتوياتها، وبالتالي يمكننا أن نودع في هذه الحالة قيم "الانتماء والتمسك بالعادات والثقافة المحلية"، وخصوصاً أنها شركة أميركية والقائمون عليها كذلك لا ينتمون لتلك البقعة ثقافياً.

كما تضمنت قائمة الاعتراضات أن الشركة لها حرية أن تفرض بعض المصروفات (حتى إن كانت ضئيلة للغاية) إلا أنها في النهاية عملت بصورة أو بأخرى على الرجوع عن فكرة "مجانية التعليم"، الأمر الذي يمكن أن يكون مقبولاً في دول أهلها لديهم ما ينفقونه على التعليم، أما في الدول الأفريقية فأولياء الأمور بالكاد يؤمنون لقمة العيش، ما سوف يعني على المدى المتوسط زيادة الطبقية والعمل على دعم ومساندة الأكثر قدرة على حساب المعدمين والمهمشين.

تطلب الشركة أيضاً أن تكون المدارس -التي توكل لها- على مقربة من أحد الطرق الرئيسية لأن النموذج التعليمي يعتمد بصورة كبيرة على توفر التكنولوجيا ومنها الإنترنت، وبالتالي لا بد أن تكون البنية التحتية مؤهلة قبل أن تتولى الشركة إدارة المدرسة مما يعني أن المدارس النائية لن يكون لها نصيب من تلك التجربة.

شركة خدماتيعتبر المهتمون بالشأن التعليمي أن تلك الشركة مثل شركة " أوبر" للتوصيل، هي شركة موفرة لخدمة مجتمعية ذات تأثير مباشر على حياة البشر، وهي شركة لا يستهان بها من ناحية الداعمين، فمن بينهم بيل غيتس (مؤسس مايكروسوفت)، مارك زوكربيرغ (مؤسس فيسبوك) وأويديار (مؤسس eBay)، نجحت الشركة في جذب عدد من الاستثمارات من شركات كبرى مثل Learn Capital وNovastar، وتعتبر في نهاية الأمر الذراع الاستثماري للبنك الدولي. رأسمالها يتعدى 100 مليون دولار وتعتبر الآن الموفر الأكثر شهرة في مجال التعليم الخاص منخفض التكاليف.قامت الشركة بافتتاح مدرستها الأولى في 2007 في كينيا وتوسعت بعدها إلى أوغندا وليبيريا، المصروفات التي تجمعها من ولي الأمر لا تتعدى سبعة دولارات في الشهر، وهذا الرقم لا يغطي تكاليف تسيير المدرسة بحال من الأحوال، ولكن حسب القائمين عليها ما زال الأمر متحملاً، وما زال هناك ما يغطي التكلفة الأساسية، وخصوصاً أنه تم نقل المقر الرئيسي إلى نيروبي.

نموذج العملية التعليمية
يتم تسليم معلمي المدارس بشركة بريدج إنترناشونال حاسب لوحي مزود بالاتصال على الإنترنت، التطبيق الخاص بالشركة عليه كافة الدروس، بل عليه كافة خطط الدروس، وما على المعلم إلا أن يتبع الخطوات الواضحة جداً والموجودة على اللوح، الهدف هو أن يستطيع المعلم مهما كانت خلفيته التربوية أن يسيّر الدرس ويدير الصف. وتعتبر الشركة هذا الأمر (الدعم الجيد للمعلمين داخل الصفوف) هو المحور الأول والأهم للنموذج التعليمي، هناك أيضاً تدريبات بداخل وخارج الصف لهؤلاء المعلمين. وفي ليبيريا تضمنت مذكرة التفاهم مع الحكومة بنداً يعطي الشركة حق تعيين والاستغناء عن المعلمين.

" يعتبر المهتمون بالشأن التعليمي أن تلك الشركة مثل شركة " أوبر" للتوصيل، هي شركة موفرة لخدمة مجتمعية ذات تأثير مباشر على حياة البشر، وهي شركة لا يستهان بها من ناحية الداعمين، فمن بينهم بيل غيتس (مؤسس مايكروسوفت)، مارك زوكربيرغ (مؤسس فيسبوك)"

تدافع الشركة عن نفسها معلنة أنها تتبع مناهج الدولة التي تعمل فيها، وأن الأنشطة المدرسية يتم الاتفاق عليها مع كبار الخبراء التربويين في الدولة والعاملين في الوزارة. تركز الشركة على القراءة وتنمية مهارات الحساب والتفكير النقدي والتكنولوجيا المستخدمة تعمل على تدوين الحضور والغياب، ونتائج التقييمات، وبالتالي تساعد على أن يتفرغ المعلم للعملية التعليمية، وتعمل الإدارة على تحسين الأداء وفق المعطيات المتاحة وعلى تحسين العلاقة مع المجتمع المحيط والآباء.يرى القائمون على الشركة والمدارس التي تديرها أن النتائج تتحدث لمصلحتهم، فبعد الدراسة لأربع سنوات في تلك المدراس في كينيا نجح الطلبة بنسبة 74% وهي 15 درجة أعلى من تلك المحققة في المدارس الحكومية، كما مثل النجاح نسبة 100% بداخل 56 من المدارس الابتدائية المدارة من قبل الشركة، في كينيا هناك "تنسيق" للالتحاق بالمرحلة الثانوية، ولا يحق لطالب لم يحصل على مجموع ألفي درجة الالتحاق بالمرحلة الثانوية، وتعرض الشركة بصورة دورية إنجازاتها في هذا المجال ففي عام 2016 حقق 2597 من طلابها المعدلات المطلوبة وبنسبة 84% من كل الدارسين في مدارسها، بينما كان المعدل الوطني (لباقي المدارس 50%).وبالرغم من هذا النجاح الذي تحرزه الشركة في مجال التعليم، إلا أن هناك العديد من الانتقادات، من بينها الاعتماد على التكنولوجيا أكثر من الاستراتيجيات الحديثة لرفع التفاعل بين المعلم والطلبة، والعمل على زيادة الطبقية وإغفال حق المهمشين في التعليم في دول معروف عنها عدم مقدرتها الاقتصادية والإدارية على حل أزمة التعليم لديها، وعدم قدرتها على مراقبة ما يتم داخل تلك المدارس ومحاسبة أي تقصير أو خروج عن القيم السائدة في المجتمع، فما زال الجدل مستمرا والانتظار للتحقق من نتائج التجربة على المدى المتوسط والبعيد.




Comments