القارئ الرقمي على المحمول لمجابهة الأمية في 50 دولة

القارئ الرقمي على المحمول لمجابهة الأمية في 50 دولة

منى يونس 


 وصل عدد الأميين على مستوى العالم إلى 740 مليون نسمة من بينهم 250 مليون طفل في المرحلة الابتدائية، وذلك وفق إحصائية حديثة لليونسكو، ويعتبر وجود الكتاب وتوفره بين يدي الأطفال وأولياء الأمور والمربين في مراحل التعليم المبكرة أمراً مهماً لكونه محفزاً على التعلم، لما للكلمة المكتوبة من سحر وبريق ولاسيما لو رافقتها الرسومات البراقة والمبهجة. وفي استطلاع للرأي أجرته مؤسسة SACMEQ II وجد أن 40% من مجموع المدارس في القارة الأفريقية تفتقر للكتب المدرسية بصورة كلية أو أن العدد الموجود بها محدود للغاية.



الحل التقـــــني
تعتبر مشكلة توفير الكتب والمحتوى المكتوب معضلة مركبة ذات أبعاد مختلفة في دول العالم الثالث بسبب تشابك العوامل الاقتصادية (مثل ارتفاع تكلفة الطباعة) والعوامل القانونية (مثل حقوق النشر والطباعة) والعوامل الثقافية (المحتوى المناسب ثقافياً واجتماعياً). وفي ظل هذا الوضع المعقد قام عدد من الهيئات العاملة في مجال توفير تكنولوجيا التعليم بالاستفادة من الهاتف المحمول لتوفير الكتب والقصص لأطفال المرحلة الابتدائية، وكان من بين هذه الهيئات Worldreader التي عملت على توفير حل متكامل للأسر والمدارس في 50 دولة، في كل من القارة الأفريقية وشبه الجزيرة الهندية، كما تم التوسع في السنوات الأخيرة لبعض دول أميركا اللاتينية وذلك من خلال بناء ما تعتبر واحدة من أكبر المكتبات الرقمية المتوفرة على المحمول والموجهة إلى أطفال المرحلة الابتدائية.  


الحل لا يعتبر معقدا من الناحية التقنية، لأنه يقوم على بناء منصة "القارئ الرقمي" على الهاتف المحمول ومن ثم الاستفادة من توفر خطوط للهاتف المحمول التي  يتم من خلالها توصيل مكتبة ضخمة متعددة اللغات للمدارس من خلال بناء شراكات مع هيئة او مؤسسة محلية تكون بمثابة جسر للتواصل بين مقدم الخدمة التقني وبين المدرسة في البيئة المحلية، تم
التوصل لهذا الحل بعدما أثبتت الدراسات أن الهاتف المحمول هو من أكثر التقنيات انتشاراً في دول العالم الثالث وأن خطوط الاتصال في أغلب الدول لا تعاني من مشاكل كبيرة بل يمكن وصفها بالتقنية المستقرة.


المحتوى التعليمي الثقافي
توفر المكتبة الرقمية المتاحة عبر تطبيق القارئ الرقمي كتباً وقصصاً لكبار الكتاب الأفارقة وكذلك كتاب قصص الأطفال الهنود، وصل عددها إلى 42 ألف كتاب وقصة موزعين على 43 لغة وقد تم الاعتماد على البيئة المحلية المقربة للطفل بدلاً من ترجمة قصص الأطفال الغربية التي قد لا يفهمها أو يستوعبها الطفل في دول جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، كما أن هناك تعاونا بين عدد من الناشرين والكتاب والهيئة الموفرة لتقنية القارئ الرقمي (ورلد ريدر) على توفير ما تم طباعته وتأليفه من قصص مشوقة بصورة رقمية من خلال اتفاقيات لحفظ حقوق النشر، وفي كثير من الأحيان تأتي الكتب بصورة تبرعات وتنازل عن حقوق النشر من كبريات بيوت الطباعة كنوع من أنواع المشاركة والمسؤولية المجتمعية.


ق
ياس الأثــــــر
تهتم الهيئات والمؤسسات المانحة بقياس الأثر للمشروعات التي تقوم بتمويلها، ومن أجل هذا قامت مؤسسة "بيل ومليندا غيتس" بدراسة لقياس الأثر للمرحلة التجريبية لمشروع المكتبة الرقمية والذي قامت به "ورلد ريدر" في عام 2014 على مستوى 8 مدارس حكومية ومجتمعية في المنطقة الغربية من كينيا، حيث تمت الاستفادة من التقنية الحديثة بتنزيل التطبيق على 200 جهاز محمول لمعلمي المدارس وأمناء المكتبات والعاملين بها وقد اظهرت نتائج
الدراسة زيادة زيارة الطلبة للمكتبة خلال 8 أشهر بنسبة 178% ، كما أن 84% من أمناء المكتبات أعربوا عن أن التطبيق ساعدهم على القراءة لكتب أكثر وبصورة أكثر تشويقاً للطلبة، إلا أن الأهم أن الهيئة قامت بالإضافة لتوفير التقنية بتدريب 20 ألفاً من المربين والتربويين في كينيا على استخدام تكنولوجيا التعليم لتحسين عملية التحصيل الدراسي ولاسيما عملية القراءة. كل ما سبق أدى لنتيجة لم تكن متوقعة ألا وهي زيادة المستفيدين من التقنية بمقدار نصف مليون مستخدم عن العام الذي سبقه ( 2013).


القرائية في عصر الرقمنة
القرائية في عصر الرقمنة هو عنوان دراسة موسعة قامت بها اليونسكو بالشراكة مع شركة "نوكيا" و هيئة "ورلد ريدر" لتحليل التوجهات الحديثة المرتبطة بالقرائية على الهاتف المحمول في دول العالم الثالث، شملت الدراسة أكثر من 4000 استطلاع للرأي بالإضافة إلى عدد من المقابلات في سبع دول كلها تنتمي للعالم الثالث، وكانت من بين النتائج التي أظهرتها الدراسة :

·              62% من عينة البحث يقرأون أكثر لو توفر المحتوى على الهاتف المحمول
·              النساء يقضين وقتاً أكثر من الذكور في عملية القراءة بمعدل 6 مرات ( 207 دقائق للنساء في مقابل 33 للذكور)
·              ثلث أفراد العينة أعربوا أنهم قاموا بالقراءة لأولادهم باستخدام الهاتف المحمول

 

التوسع في العالم العربي
ولم تكن الدول العربية بعيدة عن مثل هذه التطورات، فقد بدأت في صيف 2017 المرحلة التجريبية لبرنامج :" اقرأ لأولادك" والذي يتم من خلال الشراكة بين "ورلد ريدر" و" مؤسسة الملكة رانيا" وبالتعاون مع عدد من الهيئات المحلية مثل "كتابنا" ، والذي يهدف لتفعيل دور أولياء الأمور في عملية تحفيز الطلبة لتعلم القراءةوتحبيبهم بها من خلال استخدام الهاتف المحمول وشبكة الإنترنت لقراءة القصص المشوقة حيث يتم توفير 250 عنوانا باللغتين
العربية والإنكليزية المبسطة والمناسبة لسن صفر - 12 سنة.

يهدف البرنامج للوصول إلى 50 ألف أسرة سورية وأردنية، على أن تكون وسيلة الدعاية ونشر الوعي بالتقنية الجديدة وإمكانياتها من خلال وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية.
وسوف يمر المشروع عبر 4 مراحل محددة :
·         توفير تطبيق مجاني على المحمول به عدد من الكتب والقصص العربية
·         يتم التعريف بالمشروع من خلال الجهات المتعاونة والمشاركة
·         يتم تنزيل التطبيق المجاني وتبدأ عملية تفعيل أولياء الأمور في قراءة القصص لأبنائهم
·         من خلال الدعاية والتوعية تصبح عملية القراءة من قبل ولي الأمر عملية دورية ومستمرة

هناك عدد كبير من المتشككين في فاعلية الهاتف المحمول في تحسين عملية التعلم إلا أن هناك عددا لا بأس به من الدراسات أثبت تلك الفاعلية ومن أهمها تلك الدراسة التي تمت على مدار عامين 2012- 2014 في غانا على طلبة المستوى التأسيسي التي  أثبتت فاعلية ونجاعة القراءة الرقمية في تحسين قدرات ومهارات القراءة لدى الطلبة. وقد  تعدى الأمر الطلبة ليصل التأثير إلى أولياء الأمور والمجتمع المحيط الذي بدأ يدرك إمكانية التعلم المستمر مدى الحياة من خلال التقنيات الحديثة. 








Comments