أيها المعلم... انتبه لتحدي اليوم الأول

أيها المعلم... انتبه لتحدي اليوم الأول

منى يونس 




يواجه المعلمون تحديات عديدة، ولكن يبقى تحدي اليوم الأول أكبرها. يعرف المعلمون جيداً حقيقة القول المأثور "كل شيء يتلاشى ما عدا الانطباع الأول"

ويدرك الطلبة على اختلاف مراحلهم العمرية ومهما كان مستواهم الاجتماعي، الذكائي أو المهاري أن تعاملهم مع المعلم سيكون بحسب ما يقره هو في يومه الأول، فلو أثبت لهم أنه من النوع اللين الذي يعلوه الخوف والخشية من سيطرة الطلبة، سيكون من السهل التعامل معه والسيطرة على زمام الأمور والصف والمادة كلها بدلاً منه، أما لو كان من ذلك النوع القاسي الحاد الملامح، غير آبه لما يدور من حوله، والراغب في إثبات السيطرة الكاملة على الصف مهما كانت الظروف، فسوف يتم التعامل مع المادة بالأسلوب المعتاد "تصبحون على خير" ، "حيّ على النوم حتى سماع جرس الدرس القادم".

ومن بين أهم الأمور التي تساعد المعلم على اجتياز يومه الأول بنجاح، هو الاستعداد النفسي والتأهب بقدر كبير من الإحساس بالمسؤولية أمام الطلبة، واعتبارهم منذ اليوم الأول أولاده "هو" وأنهم أمانة بين يديه ما داموا معه ، حوله أو معه، في الصف أو في الملعب، في الفرصة (الفسحة) أو حتى خارج جدران المدرسة.
وينتج عن مثل هذه القناعة القدرة على العطاء اللامحدود.. فالأجر يأتي دوماً على قدر المشقة، ومع المشقة تاتي الخبرة والخبرة نعمة من نعم الله، لا يعرفها معلم السنة الأولى، ولكنه سوف يعرف قدرها مع كل عام يمر عليه.

مع التلاميذ في اليوم الأول
ومن بين ما تعلمته في مسيرة التدريس التي امتدت أكثر من خمسة عشر عاماً أن "الحصة الأولى" هي نقطة الانطلاق، والاستعداد لها لا بد أن يكون بقدرها؛ "فالانطباع الأول" كما ذكرنا عن هذا الوافد الجديد له أبعد الأثر في تحديد ملامح العلاقة بين الطرفين.
وهناك أمور وتصرفات بسيطة جداً من شانها أن تساعد على عملية بناء الثقة والاحترام المتبادل:


السيطرة على ملامح الوجه
  
ابتسم مهما حدث... حاول أن تسيطر على ملامح الوجه، مهما كان السلوك أمامك مستفزاً، واعلم أن السلوك مستفز لهدف محدد ألا وهو اختبار ردود فعلك والتعرف إلى شخصيتك، الاستفزاز متوقع جداً وبالتالي كن متأهباً.

سيطر على نبرة صوتكتعامل مع السلوكيات بحزم ونبرة واثقة لا داعي للصراخ، لأنه لن يجدي ولكن الحزم في ملامح الوجه كله، وبصفة خاصة في استخدام الكلمات والألفاظ غير الجارحة، ولكنها الواثقة والحاسمة في نفس الوقت.
وزّع النظرات بالتساوي
 
وهو أمر في غاية الأهمية، لا تتجاهل من هم في الصفوف الخلفية أو الأقصر. أو المشاغبين .العدل ثم العدل ثم العدل بين الطلبة حتى في توزيع النظرات، وكلمة العدل لا تعني توزيع النظرات فقط، ولكن في نوعية النظرات، فلا تكن نظرات حادة يعلوها اللوم للضعاف أكاديمياً أو الأقل ذكاءً وأكثر حنوّاً للنبهاء والنشطاء منهم.

اختيار الكلمات الواضحة الحاسمة
اختيار الكلمات الواضحة التي لا لبس فيها ويمكن اللجوء لشيء من المرونة في نبرة الصوت بعد اجتياز المرحلة الأولي من التعارف (الشهر الأول) على أن تكون حازمة في المرحلة الأولى ويتم العودة لنفس درجة الحزم، كلما خرق الطلبة قواعد الصف المتفق عليها من دون أسباب وجيهة.
المظهر العام (الملبس) هو أيضاً له أبعد الأثر على الطلبة، لا بد أن تكون مهندماً وبالنسبة للمعلمات يستحسن اختيار الملابس الأقرب للرسمية ذات الألوان المحدودة في اليوم الأول، لأنها تعطي الانطباع بالجدية من ناحية، وتساعد على تركيز الطلبة مع التوجيهات الأولى، وهناك علم كامل اسمه "علم نفس الألوان" يعلمنا أن الألوان الفاتحة تعطي انطباعاً بالتسيب وعدم الانضباط.

تذويب الثلج
النجاح في حسن إدارة اليوم الأول سوف يكون له أبعد الأثر على باقي العلاقة بين المعلم وطلابه أثناء العام الدراسي كله. وبالتالي على المعلم أن يتأهب لهذا اللقاء باستحضار النية والمسؤولية التي على كاهله فهي مسؤولية ولكن لو أحسن عملية بناء الجسور مع الطلبة فسوف ينعم بعلاقة إنسانية راقية لا ينساها أحد الطرفين وسوف يأتي عليه أيام يتمنى لو رجع الزمان للاستمتاع بوشائج الود والرحمة التي كان يشعر بها أثناء وقوفه في الصف.

أنشطة تذويب الثلج معروفة لدى المعلمين وهي تهدف إلى بناء جسور التعارف وكسر الجمود في العلاقة بين شخصين لا يعرف أحدهما الأخر وقد وجد كل طرف نفسه في مواجهة الآخر من دون سابق معرفة. وبالتالي التعارف مهم جداً ولا يكفي التعرف إلى الطلبة من خلال أسمائهم المجردة، التعرف إلى هواياتهم، اهتماماتهم بصورة سريعة من دون الخوض في التفاصيل، ليس مهماً بالمرة التعرف إلى الحالة الاجتماعية أو المستوى الأكاديمي في هذه المرحلة، لأن التركيز المفروض أن ينصب على الطلبة وشخصياتهم، هم صفحات بيضاء دعهم يرسمون شخصياتهم في عقلك كما يحبون.

من المهم أن يتعرف الطلبة إلى المادة، والأهم من ذلك علاقة المادة بحياتهم اليومية، وكيف يمكن أن تفيدهم المادة في حل مشكلاتهم أو فهم "الحياة" من حولهم.
اترك لهم فرصة للاستفسار، وأيضاً من الضروري أن تشحذ خيالاتهم وأذهانهم من خلال بعض الأسئلة البسيطة عن توقعاتهم وكيفية ربط المادة ببعض المشكلات المحيطة.

ماذا لو؟
ماذا لو حدث تمرُّد؟ ماذا لو واجهت سلوكاً استفزازياً غير متوقعاً؟ ماذا لو اختل النظام؟ ماذا لو فقدت السيطرة؟
الحل بسيط في كلمة واحدة: "الحزم".
الحزم ليس من أدواته الضرب ولا الصراخ... ليس من أدواته ترك الصف والتهديد بالتصعيد، كلها أمور يدرجها الطلبة تحت بند الضعف وقلة الحيلة.
ماذا إذاً ؟
مرة أخرى نعود إلى ملامح الوجه: سلاحك الأول. العين والنظرات والكلمات ونبرة الصوت والوقوف في مواجهة الشغب. الحزم في أن الهدوء مطلوب لاستمرار العملية التعليمية، توجيه النظرات للطلبة المشاغبين من دون رفع العين عنهم، بنوع من التهديد المبطن (مجرد النظر) مع توزيع نظرات حازمة تصاحبها إيماءة بسيطة بالرضا، لأولئك المنضبطين والتوجه لهم بخطوات هادئة بطيئة (هم أول من سوف يطلب من المشاغبين التوقف) وكلمات مفادها: "هناك من يحق له سماع الدرس، ولن أقبل بظلمهم، أتفهم رغبتكم في الخروج عن المألوف ولكن دعونا نرى متى يكون ذلك مناسباً" ثم الحركة تكون نحو من بدأ في الهدوء والإيماءة بالاستحسان... حتى تمر العاصفة.

ليس من المصلحة البدء في الشرح والوضع هكذا، لأنه سوف يكون مجهوداً مهدوراً، وسوف يعطي الانطباع بالموافقة على ما يحدث، الأمر قد يحتاج إلى فترة زمنية ليست بالقليلة في المرحلة الأولى، ولكن مع اعتياد حزم المعلم سوف تقل الفترة وسوف يعود الهدوء بصورة أسرع.  

المهم هو عدم السماح بتفاقم الأمور وحسمها في مراحلها الأولى بالسياسة الواعية (الحنكة)والأخذ بالأسباب، ومن بينها استشارة ذوي الخبرة والقراءة في خصائص المرحلة العمرية وخبرات المعلمين القدامى.





Comments